آلية تشكيل السعر
منذ القدم اكتشف البشر أهمية التخصص في العمل والقيام بعملية التبادل لإشباع الحاجات والوصول إلى معيشة راضية و مستوى رفيع وقاد هذا الشيء للوصول إلى مبدأ المقايضة وذلك بأن يقوم الفرد بمقايضة وحدة واحدة من السلعة (أ) بوحدتين من السلعة (ب)
ولكن مع التطور وتعدد المجالات لم تعد فكرة المقايضة نافعة وبدأ الإنسان في إيجاد حل أنسب من هذه الفكرة ووصل إلى وجود سلعة تقوم بدور الوسيط لتبادل السلع ومع مرور العصور ظل الإنسان يبحث عن شيء يوصله لمفهوم القيمة وسوف نتكلم بشكل موجز عن المراحل التي مر بها الفكر الاقتصادي
1- مفهوم القيمة منذ عهد" أرسطو ":
إن أول من بحث عن مفهوم القيمة علمياً هو الفيلسوف اليوناني أرسطو (322_384) قبل الميلاد وهو أول من فرّق بين مفهوم قيمة (التبادل_ الاستعمال) وهنا تكلم "أرسطو" في ذلك العصر عن مفاهيم أساسية تم بناء نظرية المنفعة وتحليلها للقيمة وقال إن السلع تأخذ قيمتها بدرجة منفعتها و من ندرتها ونفقات الحصول عليها وقال إذا ازدادت الكمية من سلعة ما فإن ذلك سيؤدي إلى خفض قيمتها
2- المدرسة الكلاسيكية :
في عام 1776 بعد ظهور كتاب "آدم سيمث" (ثروة الأمم) بدأت مرحلة جديدة في تفسير القيمة للسلع واتجهت أفكار المدرسة الكلاسيكية في تفسير القيمة باستبعاد فكرة القيمة تأتي من المنفعة وللجوء لتحديد القيمة من عوامل أخرى كالعمل وتكلفة الإنتاج
ويقول" آدم سيمث" بأن القيمة تؤخذ بمعنيان: الأول قيمة الاستعمال والثاني قيمة التبادل
وقال بأن كثير من السلع تتمتع بقيمة استعمالية كبيرة ولكن قيمتها التبادلية ممكن أن تكون صفر و يمكن لسلع أخرى أن تكون قيمتها التبادلية كبيرة وقيمتها الاستعمالية ضئيلة جداً وهذا مثال لشرح ذلك .
الماء والمجوهرات إن الماء له قيمة استعماليه كبيرة ولكن قيمته التبادلية ضئيلة جداً يعني أننا نستعمل الماء بشكل كبير ولكن لا نتبادله مع بعضنا البعض في حين أن المجوهرات قيمته التبادلية كبيرة ولكن إستعماله ضئيل بالنسبة لإستعمال الماء
وهنا أشار سيمث إلى قيمة التبادل وأعتبر أن كمية العمل لإنتاج السلعة هي العامل الأساسي الذي يحدد قيمتها وهذا الكلام صحيح في العصر القديم الذي كان إنتاجه يعتمد فقط على العمل لإن الأرض كانت مشاع وكذلك موارد الإنتاج مثل الأشجار وغيرها
ولكن في الاقتصاد الحديث كان الإنتاج يعتمد على أكثر من عنصر العمل وأضاف عنصرين (الأرض و رأس المال) ويقول سيمث في هذا بأن القيمة تخلق باشتراك عناصر الإنتاج الثلاثة ومن هنا أتى بنظرية تكلفة الإنتاج لتحديد القيمة
وجاء "ريكاردو" الذي كان أكثر تأثيراً على المدرسة الكلاسيكية القديمة وقال بأن القيمة لايمكن أن تفسر في الاستعمال لأن قيمة الاستعمال لا يمكن قياسها وقد تختلف من شخص لأخر وقال يجب قياس القيمة من نفقة الإنتاج وحصراً من عنصر العمل دون غيره من عناصر الإنتاج وهذا الكلام ليس دقيق بشكل تام فماذا تقول يا "ريكاردو" إذا وصل العامل إلى إنتاج ضعف ما كان ينتجه فهل هذا يزيد من قيمة السلعة
3- المدرسة الكلاسيكية الحديثة:
اتجهت آراء هذه المدرسة بأن القيمة لاتتحدد بنفقة الإنتاج وإنما تقدر بمنفعة المستهلك لهذه السلعة وجاء هذا التفسير للقيمة في إطار ما يسمى بنظرية المنفعة الحدية وهي تقول بأن الشخص كلما أستعمل وحدة واحدة إضافية من السلعة تقل المنفعة الحدية لهذه السلعة
4- نظرية "مارشال" وتحديده للقيمة :
اسمه الفريد ماراشال (1842-1924) وهو إنكليزي وقد طرح نظرية جديدة لتحديد القيمة للسلعة
لقد قام مارشال بتنسيق الأراء المتعارضة بين المدرسة الكلاسيكية القديمة والتى قالت بأن قيمة السلعة تحدد من نفقة إنتاجها والمدرسة الكلاسيكية الجديدة التي قالت بأن قيمة السلعة تحدد من منفعتها للمستهلك وقال بأن القيمة تحدد من الطلب الذي يعتمد على المنفعة والعرض الذي يتوقف على تكاليف الإنتاج (كحدي المقص)
وقال مارشال بأن كل مدرسة اتجهت في السوق إلى جانب وأهملت الجانب الآخر فالكلاسيكيون القدامى ذهبوا نحو نفقة الإنتاج وأهملوا دور المنفعة أي اتجهوا إلى العرض وأهملوا دور الطلب والكلاسيكيون الجدد ذهبوا نحو المنفعة وأهملوا دور نفقة الإنتاج أي ذهبوا إلى جانب الطلب وأهملوا دور العرض
وهنا أكد مارشال بأن القيمة لا يمكن أن تحدد بطرف واحد فقط وإنما تتحدد على الجانبين وهما العرض والطلب معاً.