آمون
أمون إله الريح و الخصوبة؛ أحد الآلهة الرئيسيين في الميثولوجيا المصرية، و معنى اسمه الخفي. من العسير معرفة كيف كان اسمه
ينطق بالضبط لأن الكتابة المصرية القديمة الهيروغليفية كانت تستعمل الحروف الساكنة (الصوامت)، فكان اسمه يكتب امن و من
الممكن أنه كان ينطق أَمِن مع إمالة الكسر إلى الفتح.
اللاهوت
أمون و موت
إن عبادة أمون (و أمنرع فيما بعد) و الديانة المرتبطة بهما من أعقد ثيولوجيات مصر القديمة. في أسمى صوره كان أمنرع إلها
خفيا مثلما يعني اسمه، و لكن لاهوتيا فلم يكن الإله وحده خفيا، بل إن اسمه خفي أيضا و أن شكله لا يمكن إدراكه. بكلمات أخرى
إن الغموض المحيط بأمون سببه هو كماله المطلق، و في هذا كان مختلفا عن كل الآلهة المصرية الأخرى. كانت قداسته بمكان
بحيث أنه ظل منفصلا عن الكون المخلوق. كان مرتبطا بالهواء و لهذا كان قوة خفية، مما سهل له الترقي كإله أعلى.
اعتبر أمون خالقا لنفسه، (إلا أن مدرسة هِرموبوليس (الأشمونين\شْمون\خِمنو) اللاهوتية الأقدم اعتبرته أحد الآلهة في الأجدود،
الثامون المعروف باسمها)، كما كانت له القدرة على التجدد و إعادة خلق نفسه التي مُثلت بقدرته على التحول إلى أفعى و طرح
جلده، و مع هذا فقد ظل مختلفا عن الخلق، منفصلا و مستقلا عنه.
بتوحده مع رَع، الشمس، تجلى أمون للخلق، و لهذا جمع أمنرع في نفسه النقيضين الإلهيين: فهو بصفته أمون كان خفيا و
غامضا و منفصلا عن العالم، و بصفته رع كان جليا و ظاهرا و مانحا للحياة اليومية. بنفس المنطق كان ارتباطه بماعت،
المفهوم المصري للعدل و التوازن في الكون.
سهلت طبيعة أمون الخفية اقترانه بالآلهة الأخرى. في طيبة ارتبط أمون بادئ ذي بدء بمونتو، إلهها القديم، ثم جاء اقترانه برَع،
و تلى ذلك اقترانه بآلهة أخرى، فعرف بالأسماء أمنرعأتوم و أمنرعمونتو و أمنرعحُراختي و مينأمن. و هنا تجب ملاحظة أن
أمون لم يكن يندمج في الآلهة الأخرى لخلق إله جديد، بل كان اقترانه توحدا للقدرة الإلهية.
في أوج عبادة أمونرع، اقتربت الديانة المصرية كثيرا من كونها ديانة توحيدية، حيث أصبح الآلهة الآخرون أوجهاً لقدرته، أو
تجليات له. باختصار أصبح هو الإله الأوحد و الأعلى.
كانت زوجته أحيانا تدعى أمونت، الصيغة المؤنثة لأمون، و لكنها غالبا ما كانت تعرف بالاسم موت، و كان لها رأس إنسانة
مرتدية التاج المزدوج للوجهين القبلي و البحري، و كان ابنهما هو خونسو، القمر. معاً شكلوا ثالوث طيبة.
ذهب البعض إلى أن أمون كان إلها حديثا نسبيا في الديانة المصرية القديمة، حيث أن عبادته في طيبة - حيث توجد أقدم معابده
لم توثق إلا ابتداء من الأسرة الحادية عشرة، و لكنه في الحقيقة وجد مذكورا في متون الأهرام التي ترجع لعصر الملك أُناس،
الأخير في الأسرة الخامسة، و التي تظهره كرمز للقوى الخالقة، متوافقا مع دوره في ثامون هِرموبوليس، مما يعطي وجوده قدما
أكبر.
يحتمل أن عبادة أمون بدأت في هِرموبوليس، أو أنه في البداية كان إلها محليا لطيبة عندما كانت لا تزال بلدة غير ذات أهمية
كبيرة.
صعوده
عندما ظهرت الأسرة الحادية عشرة من إقليم هيرمونثيس (أرْمـَنـْت)، أو ربما من طيبة نفسها، أغدقت على معبد الكرنك بالتماثيل
و العطايا. عندما تمكن ملوك الأسرة السابعة عشرة الطيبيون من طرد الهِكسوس، أصبح لأمون، إله العاصمة الملكية، شأن كبير
باعتباره حامي مصر.
و عندما حمل ملوك الأسرة الثامنة عشرة السلاح خارج الحدود المصرية المعروفة حتى ذلك الوقت في حملات عسكرية ناجحة
على سورية و النوبة و ليبيا، أصبح أمون إلها قوميا لمصر، تعرف به عالميا، طامسا نور كل الآلهة الآخرين و مثبتا مكانته فوق
آلهة البلاد الأجنبية، فشاعت عبادته في النوبة و ليبيا اللتان كانت الثقافة المصرية شائعة فيهما. نسب ملوك مصر كل انتصاراتهم
و إنجازاتهم و أمجادهم إلى أمون و أغدقوا الثروة و العطايا و الغنائم على معابده. في هذا الوقت حل أمون محل الإله المحارب
مونتو كإله رئيس لمدينة طيبة، و أصبح ملكا للآلهة.
أصبح أمون إله النوبة في عصر الأسرة الخامسة و العشرين، كما كان كهنة أمون في مملكة بلانة (ناباتيا) و مِرْوِه يتحكمون في
جميع شئون الدولة ، فيختارون الملك و يوجهون حملاته العسكرية، بل و أحيانا يرغمونه على الإنتحار كما ذكر ديودورس
الصقلي. استمر ذلك حتى القرن الثالث قبل الميلاد عندما قام أركامان (Arkamane (Ergamenes)?) بذبح الكهنة.
تواكب صعود أمون إلى مرتبة الإله القومي و العالمي مع ازدياد أهمية طيبة. هذا الصعود تسارع مع تولي أمنمحت الأول
(سِـحِـتِـپ اِب رَع) الحكم في طيبة و تأسيسه الأسرة الثانية عشرة، و بلغ أوجَه في عصر الدولة الحديثة عندما كان يُحتفى به في
عيد أُپـِت. اقترن اسم أمنمحت مؤسس هذه الأسرة باسم الإله أمون و حمله من بعده ثلاثة من خلفاءه، كما اتخذ ملوك طيبيون
عديدون من المملكة الوسطى الاسم نفسه فيما بعد.
في شعائر عيد أُپـِت، كان تمثال أمون يحمل على قارب من الكرنك إلى طيبة (الأقصر) ليحتفى بزواجه من موت بصفته
كاموتإف لينجبا خونسو ليكتمل ثالوث طيبة، و هو في هذا الدور كان يمثل قدرة الخلق.
تمتع أمون بشعبية كبيرة بين الناس حيث كان ينادى بنصير الفقراء، وأنه يحمي الضعيف من القوي، و حامي العدالة، و كان على
من يطلب العون من أمون أن يثبت نقاءه أو أن يتطهر من ذنوبه أولا.
كان ارتباط أمون بالملكية المصرية يعني أن يستمد الملك قوته منه باعتباره ابنا له مثل ما حدث عندما وجدت الملكة حَتْشِـپْسوت
(ماعت كارع) فيه نصيرا لها، فعظمته و نفسَها بأن أعلنت أنها ابنته، و بنت معبدها في الدير البحريٍٍ باسمه. و طبقا للاهوت
الرسمي في الدولة الحديثة كان أمنرع هو الذي يحكم مصر من خلال الملك، و يظهر مشيئته من خلال كهنته. لكن مع ازدياد
أهمية الإله ازدادت قوة كهنته و سطوتهم ففرضوا سيطرتهم على الساحة السياسية، و وصل الحال إلى أن حكمت مصر سلالة من
الملوك الكهَّان هي الأسرة الحادية و العشرين.
صُوِّر أمون في هيئة آدمية، مرتديا تاجا يخرج منه شكلان متوازيان، مستطيلان و دائريّا الطرف، ربما يمثلان ريشتان عظيمتان
من ذيل الصقر المستعارتان من الإله مين. يوجد نمطان شائعان لتصويره: في واحد منهما يصور جالسا على عرش، و في الآخر
يصور في وضع القضيب منتصبا (ithyphallic) ممسكا في يده سوطا، تماما مثلما صور الإله مين. و من المرجح أن هذا
التصوير الأخير هو شكله الأصلي الذي عرف به باعتباره إلها للخصوبة، الذي يؤدي أمامه الملك الطقوس الشعائرية الرمزية
لفلاحة الأرض أو حصاد الغلة.
إبان الأسرة الثامنة عشرة اعتبرت الإوزة المصرية (chenalopex) مقدسة كتجسد لأمون، و لكنه كان يُمثل أكثر باعتباره
الكبش وفير الصوف ذي القرنين المعقوفين الذين أصبحا يعرفان باسمه قرنا أمون و وجد ممثلا بهذه الصورة منذ عهد أمنحوتب
الثالث . (في المقابل ارتبط نوع الكباش المحلي القديم ذي الشعر المرسل و القرون المستقيمة المبرومة بالإله خنوم). كما ظهر
أيضا في صورة إنسان برأس ضفدع، ممثلا لدوره في الأجدود.
أحيانا كان اسم الإله الشمس رع يقرن باسم أمون ليصبح أمنرع، خصوصا عندما كان يشار إليه باعتباره "ملك الآلهة" ابتداء
من الأسرة الثامنة عشرة، حيث كان حكم السموات في الكوزمولوجيا المصرية للإله رع. عندما نقل أمنمحت الأول العاصمة إلى
اتجتاوي (عند طرف الدلتا؛ لم تكتشف بعد و يمكن أن تكون ليشت) ازدادت أهمية هذا الاقتران برَع سياسيا و لاهوتيا و هو ما
كان أمرا منطقيا بالنسبة لإله متفوق كأمون، الذي كان يلقب أيضا "ملك تاجي الأرضين".
في العصور اليونانية كان أمونرع أحيانا يصور برأس رجل ملتح و جسم جعران و جناحي صقر و قدمي إنسان و مخالب أسد،
و ذلك بقصد إضفاء صفات عديدة و مختلفة عليه.
الأفول
بدءا من حكم تحوتمس الرابع من الأسرة الثامنة عشرة و في الوقت الذي وصلت فيه عبادة أمون إلى أوجها، بدأ تقديس صورة
مجردة للشمس تتمثل في أتِن، بالظهور. حتى أحمس مؤسس الأسرة وُجد نقش يمتدحه بأنه أتن عندما يسطع. وصلت عبادة أتن
إلى الأوج عندما حرم الملك أمنحتب الرابع، الذي أصبح الملك الموحد أخِناتِن عبادة أمون. فشل أخِناتِن في فرض عبادة الإله أتِن
على الشعب كما فشل في القضاء على سطوة كهنة أمون الأقوياء، فعادت الديانة القديمة إلى ما كانت عليه بعد موته و دمرت آثار
و معابد أتن و هجرت عاصمته أخِتْاتِن (العمارنة) إلى طيبة مرة أخرى على يد خليفته توتعنخأمن. في الفترة التي تلت عودة
عبادة أمون كتبت ترانيم و صلوات لأمنرع تكاد تكون توحيدية في صياغتها و معناها.
بعد زوال الأسرة العشرين تحول مركز الثقل عن طيبة و بدأت سلطة أمون في الخفوت. حاول الملوك الكهنة في الأسرة الحادية و
العشرين حفظ هيبة أمون بقدر استطاعتهم، و مع أن عاصمة الأسرة الثانية و العشرون كانت في الشمال، إلا أن كهنة أمون
استمروا في لعب دور هام في العاصمة العتيقة طيبة.
باستمرار ضعف الحكم ازداد الانقسام بين الوجهين القبلي و البحري، و بدءا من ذلك الزمان كان تبجيل الملوك النوبيين لأمون
الذي سادت عبادته في أرضهم طويلا هو الذي حفظ لطيبة مكانتها، فجعلوها عاصمة ملكهم بالرغم من أن ثروتهم و نفوذهم
الثقافي لم يكونا بالتأثير الكافي.
كان أمون هو إله طيبة حتى في زمن تدهورها، بالإضافة إلى أنه كان الإله الأهم لعدد من حواضر الدلتا و معابد صغيرة عديدة
من بلدة الهيبة في مصر الوسطى إلى كانوپس على البحر المتوسط (بالقرب من أبي قير)؛ كما كان يمثل إلى حد ما التطلعات
القومية المحلية لمصر العليا في مواجهة مصر الوسطى و الدلتا.
عرافة سيوة
كانت عرافة شهيرة قد تأسست لعدة قرون في معبد أمون في واحة سيوة في الصحراء الليبية و التي كانت تتمتع باستقلالية كبيرة
عن ملوك وادي النيل، و اشتهرت عندما اختفت بدون أثر الحملة الفارسية التي وجهها قمبيز لتدمير المعبد.
اشتهرت عرافة أمون عند الإغريق لدرجة أن الإسكندر الأكبر ارتحل إليها بعد معركة إسّوس ليحصل على مباركتها و ليتوج ملكا
على مصر و ليسمى ابنا لأمون، كما كان ملوك الأسرة الثامنة عشرة يعتبرون أبناء أمون، الذي أخصب الملكة الأم ، و أحيانا ما
ارتدوا قرني الكبش، و هكذا صور الإسكندر مرتديهما على العملات المضروبة.
علاقته بآلهة أخرى
وجد إله أمازيغي له اسم مشابه و يتشابه مع أمون في بعض صفاته هو حمون، و تشكل سيوة نقطة استناد رئيسية لنظرية تقترح
وجود علاقة ما بينهما، كما توجد دراسات توضح أن علاقة ما قد توجد بينهما بافتراض أن اسمه مشتق من كلمة أمازيغية (التي
تمت بصلة قرابة للمصرية في نفس العائلة اللغوية) تعني 'ماء' و إن كان هذا غير مؤكد في ضوء المعارف الحالية. كما يعتقد
النوبيون أنه أصلا من منطقة جبل بركل (حاليا في شمال السودان). و من المحتمل أنه كانت توجد آلهة محلية لدى هذه الشعوب
تشبه في صفاتها أمون مما سهل تقبلها له فدمجت بينه و بين آلهتها المحلية كما تشرب هو صفاتها لديهم، و من المحتمل أيضا أنه
وجدت لأمون أصول مغرقة في القدم (ربما تعود إلى ما قبل التاريخ) لدى الشعوب الأفريقية القديمة التي تشكل أصول كل هذه
الشعوب من نوبيين و أمازيغ و باقي سكان وادي النيل.
باعتباره ملكا للآلهة، ربط اليونانيون بين أمون و زيوس، كما ربطوا بين موت و هيرا. كما ارتبط خنوم بزيوس أيضا ربما
بسبب شبهه بأمون، و بما أن نوع الكبش المميز له انقرض مبكرا، أصبح خنوم أيضا يرتبط بكبش أمون.
قدس الإغريق أمون ، كما زاوج الفينيقيون بين بعل و حمون (أمون الأمازيغي) في صورة الإله بعل حمون.
مع تحياتيييييييييييي